كانت ثورة ثم سقط النظام ثم كان القدر في إنتخاباتٍ
ومرشحين، ولأن الثورة لم يكن لها قائداً وإنما مجلس قيادة ولأن البشر جميعاً
يطمعون دائماً في كرسيّ يسيطرون به علي من حولهم. حقيقة أنه لن تجد عاقل شارك في
الثورة يزعم بأنه كان هناك قائداً في الثورة بتلك المواصفات التي تجعل منه الفارس
الذي ينقذ مصر والذي يبرع فيه وصفه الواصفون ذلك الشخص الحكيم الذي يُضحي بكل شيء من
أجل رفعة وطنه ويلتف الشعب حوله.
الحقيقة أن مصر ليس كغيرها من بلدان العالم فهي ذات لمسة
تدين ظاهريّ، وحبٌ في أن يكون الشخص فيه هو الآمر الناهيّ في الكون، وعلي مر
السنين أبدع المصريون في ذلك، فكانوا يقصدون الحلاق ليداوا الأمراض، تجد الأب في
الأسرة المصرية يريد أن يصلح كل شيء بدلاً من الذهاب للمُختص، حتى ترسخت هذه
العادة وأصبحت خصلةً واضحة في المصريين، فتجد الصيدليّ يعاين المرضى في الصيدليات
ويصف لهم الدواء عوضاً عن الطبيب المُختص بذلك، تجد المهندس المدني يصمم المباني
عوضاً عن المعماريّ وحتى خارج مصر، فيحكي لي قريبٍ لي يعمل بالمملكة العربية
السعودية سماعه تلك المقوله من سعوديّ: "إنت مصري، إنتا تعرف كل شيء!"
لذا كان لزاماً أن تفشل الثورة بعد أن ترشح كل شخص في
مصر من حفيد الصحابة إلي شخص رأى في المنام الرسول –صلى الله عليه وسلم- يأمره
بالترشح في الإنتخابات، ورأينا مشاريع إنتخابية من أشخاصٍ لا يعلمون شيئاً عن
الإقتصاد، منهم من صُوِّر له أن المصريين يملكون أموالاً خاصة تتعدى المائتي
تريليون دولاراً تلك الكمية التي لو وجدت
علي سطح الأرض لملأته والآخر كما نقول بالعامية المصرية الدراجة ((جاب من الآخر))
وطرح مشروعاً ليس له أي وجود علي الإطلاق – مشروع النهضة -.
وكانت الإنتخابات التي ترشح فيها من الفلول ومن الوزراء
ومن الثوار ومن التيار الديني نموذجاً رائعاً للخيال العلمي بعد الثورة، أيُ ثورة
هذه التي يترشح فيها أشخاص ثار عليهم الشعب أصلاً؟!، ومضت الأيام وقل عدد
المرشحين، بعد قيام الراحل (عمر سليمان) بالترشح، وظهرت قضية جنسية والدة (أبو
إسماعيل) وقامت اللجنة العليا للإنتخابات بإقصاء الإثنين، بدت الإنتخاباتُ مشوقة
فقد إبتعدت عن أن تكون لشخصٍ واحدٍ –(حازم صلاح أبو إسماعيل)- لتصبح من الصعب توقع
نتيجتها.كانت الإنتخابات وخسر الجميع ماعدا إثنين، إثنين يجعلونك
حقاً تتفكر في قدرة الله –عز وجل- وحكمته، شخصٌ بنظامٍ كان يستخدمه المخلوع فزاعة
ليرهب الشعبُ بها، إلي شخص هو نظام مبارك نفسه!
(محمد مرسي) و(أحمد شفيق)... (محمد مرسي) و(أحمد شفيق)...
يا الله ما هذا الحظ العسر الذي يطارد المصريين، هل هو غضبٌ منك علينا؟!وكانت الإنتخاباتُ وكان (مرسي) هو الرئيس، هو القدر لا
إعتراض عليه يا الله... ومضت الأيام... وها نحن مازلنا نسير علي الطريق الخاطئ،
حتى السلفيين الذين كانوا بجانب النظام الآن يبتعدون عنه ويريدون أن يزيلوا أي أثرٍ يدل علي مساعدتهم إياه...
هو السؤال حقاً الذي طرحته علي نفسي بعد مراسلة من صديقي (أحمد رأفت) طارحاً فكرة
هذا المقال...
ماذا لو كان (شفيق) الرئيس؟!... ماذا لو كان (شفيق)
الرئيس؟!...
أتصور منظر اللجنة ساعة إعلان النتيجة والشباب في
الشارع، لا أتحدث عن متابعي الأحداث الجالسون بإستمتاعِ علي الأريكة يتابعون
الأحداث علي شاشات التلفاز، أنا أتحدث عن من ناصروا الثورة حقاً... ماذا سيكون الشعور؟! وإني لأتسائل حقاً
ماذا سيقول الأطباء النفسيين عن هذا الموقف؟!، هل سيثور المصريون مجدداً أعنف وأعنف؟!...
فمن ثار مرة سيثور مئات المرات! والطبقة التي قامت بالثورة كانت دائماً ثائرة حركة
(كفاية) و(6 إبريل) وغيرها... تثور كل فترة وتخمد، والدافع الذي جعل من الـ25 من
يناير مختلفاً وناجحاً هو وجود الدافع والغاية فالدافع للتغيير موجود منذ سنواتٍ عدة
والغاية التي توضحت معالمها بعد ظهور النموذج الناجح في (تونس)...هل يثورون أم تخور قواهم ويرضون بالـ(هايد-بارك)
والبونبوني الذي وعد به (شفيق)؟!
(شفيق) هو الرئيس!، دعونا نتغاضى عن ثقل هذه الجملة
ونفترض حقاً أن (شفيق) رئيس مصر، دعنا نضع تصوراً للمتظاهرين وشباب الثورة بعد أن
تخور قواهم في (الهايد- بارك) بفعل الإفراط في تناول البونبوني، وتمر الأيام
وتتحرك عجلة الإنتاج ليس بفعل خبرة (شفيق) في إدارة الدولة ولكن بفعل أن جميع
مفاصل الدولة تحت يديه، جيش كان أم شرطة، وتسير الأمور وتنشأ جبهة الإنقاذ الوطني
هيئة متكاملة تتصيد أخطاء شفيق وتنظم وقفات ضد أي إنتهاكٍ يحدث تضم كل الجميع من
إخوانٍ وسلفيين وليبراليين وعلمانين...إلخ، جبهة تحفظ مصر من الزوال والعودة إلي
النظام السابق، يرغب أن يسقطها النظام بإعتقالات لكن يعلم أن تلك الإعتقالات ستكون
شرارة تشعل غضب الشارع المصريّ.
ربما يسألني الكثيرون عن سبب تصوري لتوحد المعارضين
للنظام وعدم تفرقهم رغم الواقع الذي يثبت العكس، وأقول إن إختلاف الظروفِ هو ما
يحدد أنتوحدُ أم لا؟!...
لذا فمن المنطقيّ جداً أن يتحالف ليبرالي مع إخواني ليسقط نظاماً يظلم الإثنين
معاً، وربما الثورة دليلٌ علي ذلك. فلم سمع قط أثناء الثورة عن لفظ ليبراليّ أو
إشتراكيّ أو سلفيُّ حتى بين صفوف الثوار أثناء الثورة، ولست أدعي بذلك أنه لم توجد
هذه المصطلحات لكن تباينت وظهرت بعد الثورة.
حقيقة أن التوحد الشعبيّ ضد (مبارك) هو سر سقوطه، وطالما
ليس هناك توَّحُد شعبيّ إذا لن نتقدم إلي الأمام، لنلق نظرة علي المُرشحين الذي
يقال عليهم أنهم ثوريين ولنأخذ (حمدين صباحي) و(عبد المنعم أبو الفتوح) مثالاً...لو كان هذان
الإثنين توحدوا في كفة واحدة لن يكون هناك لا (مرسي) ولا (شفيق)... ولن يكون هذا المقال...
ولربما يأتي ذلك اليوم الذي نحتفل فيه بأن (مرسي) كانت صفحة طواها التاريخ، ونجلس
فيه معاً فخورين برئيسٍ حقاً يليق بمصرَ وبالتقدم الذي حققه الشعب في عصره ...
رئيسٌ لم يُبعد مُعارضيه، لم يقم بكتابة دستور مصر أفرادُ جماعته، لم يَركن أبداً لأهله
وعشيرته، رئيس بكاريزيما... يحظى بحضورٍ لدى جميع أفراد الشعب، رئيسٌ يُعلي أسس
الديموقراطية... هو ذلك الرئيس الذي حلمنا به بعد الثورة... وها نحن مازلنا نحلم،
وإلي ذلك اليوم الذي يأتي فيه رئيسٌ لمصرَ بهذهِ المواصفاتِ، لا ندري أنكون أحياءاً
أم تكون قد وافتنا المنية! لكن المؤكد هو أن مصر ستحظى به في يومٍ منَ الأيامٍ.
________________________
أراكم المرة القادمة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق